اسرائيل لم تردع حماس

دائما ما تتصدر تصريحات قيادة الجيش الإسرائيلي عناوين مواقع الأخبار الفلسطينية ، حيث أبرز ما تهتم به وسائل الإعلام المحلية هو ردود أفعال المسئولين العسكريين في الصف الأول للجيش الإسرائيلي حول أي أحداث أمنية جديدة في الأراضي الفلسطينية ومحيطها ، ويكون الاهتمام أكثر بتلك الردود عندما تكون تلك الردود صادرة من شخصيات ذات رتب عسكرية رفيعة المستوى، مثل وزير الدفاع الإسرائيلي أو رئيس الأركان الإسرائيلي.

إن ما يصدر من تصريحات سياسية أو عسكرية على لسان القادة الإسرائيليين ، لا يمكن إنكار مدى أهميتها ، فهي تعتبر أحيانا بمثابة رسالة مباشرة للشعب الإسرائيلي لطمأنته بأن لديه جيش قوي قادر على حمايته و الدفاع عن مصالحه، وفي ذات الوقت تحمل تلك التصريحات في طياتها رسائل غير مباشرة للشعب الفلسطيني و قياداته السياسية و العسكرية، يكمن معظم مضمونها بالتلميح ، بأن إسرائيل قادرة على التحكم بمستقبل الفلسطينيين عبر استخدام سياسة العصا و الجزرة و أسلوب الترهيب و الترغيب ، وذلك عن طريق فرض إسرائيل حصار مشدد على الفلسطينيين و التهديد بشن عمليات عسكرية أو تقديم التسهيلات الإنسانية و الاقتصادية لهم.

و عند متابعة تصريحات قادة الجيش الإسرائيلي التي صدرت بعد الحرب الأخيرة ضد حركة حماس بقطاع غزة في عام 2014 ، نلاحظ أن إسرائيل عقب نهاية كل عملية عسكرية ضد عناصر المقاومة المسلحة ، سواء كانت تلك المقاومة في قطاع غزة أو الضفة الغربية ، يتحدث بعدها هؤلاء القادة الإسرائيليون عن تحقيقهم لعامل الردع الإسرائيلي لحركة حماس و فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة الأخرى .

و نلاحظ أن بعد أي عملية إطلاق لصواريخ من قطاع غزة تجاه إسرائيل ، أن إسرائيل دوما ما تحمل المسئولية الكاملة لحركة حماس، باعتبارها السلطة القائمة التي تحكم غزة ، ومن ثم يقوم بعدها الطيران الإسرائيلي بقصف مواقع عسكرية تابعة لحركة حماس بغزة.

لذا السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، هل حققت بالفعل إسرائيل عامل الردع ضد حماس ؟ و هل نجحت إسرائيل في تثبيط همة جيش كتائب القسام في غزة ؟

ربما يجيب البعض ، متسرعاً، نعم لقد ردعت إسرائيل حركة حماس ، و الدليل على ذلك أن حماس تمنع إطلاق الصواريخ من قطاع غزة تجاه إسرائيل وتحاول أحياناً اعتقال مطلقي الصواريخ.

لكنني أرد هنا على هذه الفرضية ، بإجابة واضحة وصريحة ، أن إسرائيل لم تردع حماس ، بل بالعكس فقد منحتها بغير قصد، الفرصة لترتيب أوراقها ومراجعة استراتجياتها و خططها العسكرية لأي مواجهة مستقبلية معها.

و أعتقد أن حركة حماس اعتبرت مواجهتها العسكرية الأخيرة مع إسرائيل في قطاع غزة ، ما هي إلا فقط اختبار تجريبي لها و لقدراتها العسكرية ، حيث وصفت الحركة الحرب الأخيرة على غزة بأنها معركة الإعداد، لذا أستنتج من ذلك ، أن حماس قد تنظر لتلك الحرب كمجرد تدريب عسكري وعملي لعناصرها المسلحة ، لكي يختبروا و يقيموا مدى قدراتهم الذاتية على أرض المعركة الحقيقية، و لكي يتعرفوا أيضاً على القدرات الحقيقية للجيش الإسرائيلي ومدى استعداد جنود هذا الجيش، خاصة في المواجهة البرية وفي مجال اكتشاف أنفاق حماس .

و أكبر دليل على تحدي كتائب حماس المسلحة لإسرائيل، هي الرسائل الغير مباشرة و المباشرة التي أرسلتها حماس لإسرائيل ، عبر مقاطع الفيديو التي تحتوي على أغاني باللغة العبرية تهدد فيها حماس وتتوعد الشعب الإسرائيلي و جيشه بالمزيد من الرعب و الانتقام ضدهم ، بالإضافة للأفلام الوثائقية التي بثتها قناة الجزيرة مؤخراً مثل فيلمي الصندوق الأسود و فيلم المجموعة رقم 9، فقد صورت تلك الأفلام بعض أنفاق حماس و تحدثت عن أبرز عمليات القسام العسكرية ضد الجيش الإسرائيلي، وذلك على لسان عناصر كتائب القسام الذين رورا بفخر شديد قصص نجاحهم العسكري أثناء الحرب الأخيرة على قطاع غزة .

وقد استخدم متحدثي القسام في فيلمي الجزيرة أثناء تقديم روايتهم عن أحداث الحرب الأخيرة ، مصطلح “شهيد الإعداد” ، وهذا إن دل على شيئ فهو يدل على أن كل ما مر به عناصر المقاومة المسلحة لحركة حماس خلال حروبهم ضد إسرائيل، ما هو إلا مجرد جزء من مرحلة الإعداد ، و أن هناك مازال حرب كبرى ومواجهة كبرى ستخوضها حماس ضد إسرائيل تحت مسمى حرب التحرير التي يمكن أن يتم شنها خلال عام 2022 ، وذلك حسب إعلان القائد الحمساوي فتحي حماد، أثناء كلمة له بمسيرة دعت إليها حركته في شمال القطاع كنصرة للمسجد الأقصى، خلال شهر سبتمبر 2015 ، حيث قال حماد أن حماس ستحتاج ل7 سنوات لكي تقضي على إسرائيل و خلال 3 سنوات ستحرر القدس مروراً بعسقلان وبيتونيا وبئر السبع.

لذا من يقول أن حماس ارتدعت، أعتقد أنه جانبه الصواب في ذلك ، لأن عناصر المقاومة في حماس قد بايعوا أنفسهم على الموت في سبيل الله، و هم لا يخشون الموت، بل ينشدونه مرارا وتكرارا ، و يعتبرون الشهادة في سبيل الله هي أسمى أمانيهم، ومن لا يهاب الموت لا يوجد رادع له !

أما لماذا حماس لا تطلق صواريخها الآن بشكل مباشر ضد إسرائيل ؟

فالإجابة بسيطة جداً أن حماس تدرك جيداً ، أنها يجب أن لا تنجر بتهور في مجال الدفاع عن نفسها، ضد أي أحد يحاول أن يشوه صورتها و يظهرها بأنها عاجزة أو خائفة، لأنها بكل بساطه لا تريد أن تنجر في حرب استنزاف لقدراتها العسكرية و البشرية و المالية ، فقد استهلكت حماس عدد كبير من صواريخها خلال الحروب السابقة ضد إسرائيل، و لقد اختبرت أيضا قدرات تلك الصواريخ، وهي ربما الآن حسب تصريحات عناصرها المسلحة تقوم بتطوير صواريخ أحدث وذات مدى أبعد.

و أعتقد أيضاً ، أن حماس لا تريد أن تستهلك ربما من مخزونها الاستراتيجي و تندفع من أجل فقط عمل عرض لقدراتها العسكرية أمام الشعب الفلسطيني ، فهي لديها ثقة كبيرة بنفسها بأنها هي المسيطرة على الأرض بقوة على قطاع غزة ، وهي ذات شعبية كبيرة في قرى الضفة الغربية ومخيمات القدس ، وبدت تتضح تلك الشعبية أكثر فأكثر بالأحداث الأخيرة بالضفة و القدس.

لذا أرى هنا ، أن حركة حماس في غزة قد اكتفت بما قامت به من عمليات عسكرية أثناء الحروب الأخيرة ، وهي تروى الآن قصص نجاحها في تلك الحروب حسب رؤية قياداتها العسكرية وحسب تقييمهم الداخلي لما حدث أثناء الحرب، و الآن على أغلب الظن تنتقم حماس لغزة بشكل غير مباشر و ترد على تجاهل إسرائيل لمطالبها الأساسية بانشاء ميناء بحري لغزة و انجاز صفقة تبادل للأسرى كشروط لهدنة طويلة الأمد، عن طريق تخطيطها لمعركة من نوع أخر في الضفة الغربية و القدس وهي معركة الأقصى التي تتمثل بدايتها بإشعال انتفاضة ثالثة، و التي بدأ بالفعل لهيب تلك الانتفاضة يمتد أكثر فأكثر وبدأ يلقى قبولا من بعض الشباب المتحمسين لتغيير الوضع السياسي و الأمني القائم بالضفة الغربية.

وتهدف الحركة من تشجيعها لانتفاضة ثالثة بالضفة الغربية و القدس ، العمل على الإخلال بأمن المستوطنين الإسرائيليين و إحداث فوضى أمنية في شوارع القدس ومدن الخط الأخضر من أجل الضغط على إسرائيل للاستجابة لمطالب حماس، ومحاولة السيطرة على الضفة الغربية، بحيث تتطور الأحداث نحو أخذ زمام الأمور من أيدي السلطة الفلسطينية برام الله.

فعمليات الطعن المستمرة في القدس ليست عشوائية ولا عفوية و عملية ايتمار التي أوقدت الشعلة الأولى لأحداث العنف في القدس و الضفة ، لم تأتي بالصدفة بل كانت نتيجة عملية تخطيط طويلة ، و انتظر مخططيطها فقط الوقت المناسب لكي تنطلق تلك العمليات على أيدي خلايا نائمة من عناصر المقاومة الفلسطينية.

وفي الوقت الذي تخطط به حركة حماس لانتفاضة قد تكون مسلحة بالضفة الغربية و القدس ، تعمل حماس بصمت وبشكل متوازي في غزة بحيث تركز كتائبها المسلحة المتواجدة بغزة ، على تطوير قدراتها العسكرية بهدوء وتكتم أمني شديد.

لذا عندما يقول وزير الدفاع الإسرائيلي يعلون، أثناء زيارته لحدود غزة ، أن إسرائيل قد ردعت حركة حماس في غزة ، نقول هنا أن إسرائيل تعلم جيداً أنها لم تردع حماس، و أن المعركة بين حماس وإسرائيل هي معركة بقاء ووجود ، حيث أن كل طرف يطمح للقضاء على الطرف الآخر.

فقد صرح عدد كبير من قيادات حماس أن المعركة القادمة هي معركة التحرير الكبرى وستكون حاسمة ، وكذلك صرح بعض المسئولين الإسرائيليين أنه في حال كان هناك حرب أخرى ضد حماس بقطاع غزة فهي بالتالي ستكون أيضاً حاسمه ، و قد أعلن القائد الإسرائيلي ، سامي ترجمان ، قائد كتائب الجنوب في الجيش الإسرائيلي ، أثناء كلمه له في مؤتمر حول أثر الإرهاب العالمي ، الذي تم عقده في هرتسليا خلال شهرسبتمبر 2015 ، أن حماس هدفها الطويل المدى أن تستبدلنا ، لكننا سوف نحن من سيستبدلها بكيان أخر في المستقبل.

فهل المعركة القادمة، ستكون بالفعل حاسمه و نهائية، وتحدد من الطرف الذي سيتحكم بأرض المعركة؟ وهل ستنجح حماس بنقل المعركة من أرض غزة إلي داخل الحدود الإسرائيلية ؟

أتمنى أن لا تحدث أي حروب أخرى في المستقبل، لكن الوقائع على الأرض و الأخبار المتواردة عبر وسائل الإعلام والتصريحات النارية التي تعلوها نبرة التحدي من كلا الطرفين، كلها تنبؤنا بأنه هناك شيء ما سيحدث في المستقبل ، و أن هذا الهدوء المؤقت بغزة هو هدوء ما يسبق الزلزال، و ليس العاصفة ، وهو بالنسبة لحماس مجرد استراحة محارب ، وفرصة لمنح سكان القطاع ، الوقت لكي يتنفسوا الصعداء من الحروب السابقة ، أما بالنسبة لإسرائيل فهذا الهدوء المتذبذب، الذي تشتته أحيانا بعض صواريخ لفصائل المقاومة الأخرى ، هو فرصة بالنسبة لها لتقييم وضعها الأمني على حدودها على الجولان و لبنان و سيناء ، و فرصة للتفكير في كيفية التعامل مع تهديدات المشروع النووي الإيراني ضد أمنها القومي.

من سينتصر في المستقبل ؟ حماس أم إسرائيل ؟

أعتقد أنه لن يكون هناك انتصارات بالمعنى الحرفي للانتصار، بل سيكون هناك تغيرات في موازين القوى التي سوف تسيطر على الأرض، و التي ستحدد مصير الفلسطينيين في كل من الضفة الغربية و قطاع غزة ، إما نحو مزيد من سيطرة حماس على قطاع غزة و الضفة الغربية أو حدوث تغيرات دراماتيكية في الساحة الفلسطينية تؤدي إلي استجلاب كيان سياسي أخر وواقع أمني جديد في المنطقة.

أضف تعليق